رحلة في الأعماق
" قصة سيدنا يونس ( عليه السلام ) "
بسم الله الرحمن الرحيم
على ضفاف نهر دجلة عاش الآشوريون في مدن كبرى ، وكانت نينوى أكبر مدنهم فهي عاصمة البلاد .
وفي نينوى كان يعيش مئة الف انسان أو اكثر بقليل .
كانوا يعيشون حياتهم ، يزرعون حقولهم الواسعة ويرعون ماشيتهم الكثيرة في تلك الأرض الخصبة .
وفي تلك المدينة الكبيرة وُلد سيدنا يونس وعاش ، حتى اذا ادرك ، رأى قومه يعبدون الأوثان والاصنام ، ينحتون التماثيل المرمرية ويعبدونها .
الله سبحانه اصطفى عبده يونس ( عليه السلام ) نبياً ، كان يونس انساناً مؤمناً بالله الواحد القادر ، وكان يدرك أن هذه التماثيل والاصنام مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع .
الله سبحانه أرسل يونس إلى أهل نينوى يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه ونبذ الاصنام والأوثان .
الناس في تلك البلاد كانوا طيبين ولكنهم كانوا يشركون بالله منذ زمن بعيد وهم يعبدون التماثيل .
وجاء سيدنا يونس و وعظهم و نصحهم و قال لهم : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به أحداً .
و لكن أهل نينوى و قد اعتادوا على عبادة التماثيل رفضوا دعوة يونس ، و وقفوا في وجهه .
كل الانبياء كانوا يُعلِّمون الناس عبادة الله الواحد كل الرسل كانوا يبشّرون بالتوحيد .
الناس كانوا ضالّين ، يعبدون الحجارة . . يظنّون ان لها تأثيراً في حياتهم .
جاء سيدنا يونس وأرشدهم إلى عبادة الله الواحد الأحد .
ولكن ذلك لم ينفع معهم .
وحذّرهم النبي من عاقبة عنادهم . . ان الله سبحانه سيعذّبهم إذا ظلّوا على عنادهم وعبادة الاصنام .
و غضب سيدنا يونس من أهل نينوى فحذّرهم من نزول الغضب الالهي .
غادر سيدنا يونس نينوى ومضى .
ذهب باتجاه البحر الابيض . كان يترقّب نزول العذاب بأهل نينوى .
و مضت أيامٌ و أيام ، و لكن سيدنا يونس لم يسمع شيئاً .
سأل كثيراً من المسافرين عن أخبارهم نينوى وأهلها ، وكانوا كلّهم يقولون : ان المدينة بخير .
و تعجّب سيدنا يونس ! لقد صرف الله عن أهل نينوى العذاب .
من أجل هذا واصل طريقه باتجاه البحر الابيض .
التوبة :
لنترك سيدنا يونس وهو في طريقه إلى البحر لنعود إلى نينوى تلك المدينة الكبرى . .
ماذا جرى هناك لماذا صرف الله عن أهل نينوى العذاب ؟
عندما غادر سيدنا يونس غاصباً و مضت عدّة أيام شاهد أهل نينوى علامات مخيفة . .
السماء تمتلئ بغيوم سوداء كالحة ، وهناك مايشبه الدخان في أعالي السماء .
و رأى بعض الصلحاء تلك العلامات فأدرك ان العذاب الالهي على وشك أن ينزل فيدمرّ مدينة نينوى بأسرها .
ستتحول المدينة الى أنقاضٍ وخرائب ، من أجل ذلك أسرع و حذّر أهالي نينوى من نزول العذاب قال لهم :
ـ ارحموا انفسكم ! ارحموا ابناءكم وبناتكم . لماذا تعاندون ؟! إنّ يونس لا يكذّب أبداً ، و أنَّ العذاب سيحلّ بكم .
أهل نينوى رأوا علامات العذاب . .
لهذا راحوا يفكرون بمصيرهم بمصير ابنائهم ، بمصير مدينتهم .
أدركوا ان هذه التماثيل لا تنفعهم . . إنها مجرّد حجارة نحتها الآباء بأيديهم فلماذا يعبدونها من دون الله .
شعر أهل نينوى بالندم ، كانوا غافلين فانتبهوا ، وكانوا نائمين فاستيقظوا .
من أجل ذلك راحوا يبحثون عن سيدنا يونس . . جاءوا يعلنون إيمانهم بالله سبحانه .
و لكنّ سيدنا يونس كان قد غادر نينوى الى مكان بعيد . . الى مكان لا يعرفه أحد !
من أجل هذا اجتمعوا في أحد الميادين ، و قال لهم الرجل الصالح اعلنوا ايمانكم يا أهل نينوى ، و قال لهم : ان الله رحيم بالعباد فاظهروا الندم ، و خذوا الاطفال الرضع من أمهاتهم حتى يعمّ البكاء ، و ابعدوا الحيوانات عن المراعي حتى تجوع و تعلوا أصواتها .
هكذا فعل أهل نينوى فصَلوا بين الاطفال والامهات ، وبكى الاطفال ، وبكت الامهات ، الحيوانات كانت تضجّ من الجوع و تعطّلت الحياة في مدينة نينوى . .
الجميع يبكون ، الجميع آمنوا بالله الواحد القادر على كل شي .
وشيئاً فشيئاً كانت السماء الزرقاء الصافية تظهر ، و الغيوم السوداء تبتعد .
اشرقت الشمس من جديد ، و فرح الناس برحمة الله الواسعة و بنعمة الايمان و الحياة .
كان أهل نينوى ينتظرون عودة نبيهم ، و لكن دون جدوى لقد ذهب سيدنا يونس غاضباً و لم يعد ، ترى اين ذهب يونس ؟
في البحر :
وصل سيدنا يونس البحر الابيض ، و وقف في المرفأ ينتظر سفينة تبحر إلى إحدى الجزر .
و جاءت سفينة شراعية . . السفينة كانت مشحونة بالمسافرين .
توقّفت في المرفأ لينزل بعض المسافرين ، و يركب البعض الآخر . كان سيدنا يونس من الذين ركبوا السفينة .
انطلقت في عرض البحر بعد أن رفعت اشرعتها عالياً .
و عندما صارت في وسط البحر ، هبت العواصف ، و ارتفعت الأمواج .
و فيما كانت السفينة تمخر المياه المتلاطمة حدث شيء عجيب ، ظهر حوت كبير ! حوت العنبر الهائل . . كان الحوت يرتفع وسط الامواج ثم يهوي بذيله ليضرب المياه ضربة هائلة ، فيصدر صوتاً يشبه الانفجار ، اصاب الاسماك بالذعر فولّت هاربة .
توقف قليلاً فانبثقت نافورة المياه كشلال يتدفق نحو السماء .
اندفع الحوت باتجاه السفينة ، ثم انعطف فجأة وحرّك ذيله ليدفع موجة هائلة نحو السفينة ، و ارتجّت السفينة بعنف !
أدرك ملاحو السفينة ان الحوت يريد تحطيم السفينة و اغرافها كان حوتاً هائلاً و كانت السفينة صغيرة .
لم يكن أمام قبطان السفينة غير طريق واحد هو التضحية بأحد ركاب السفينة ليكون طعاماً للحوت .
لهذا اجتمع ركاب السفينة وأجروا القرعة فمن خرجت عليه القرعه فهو الضحية . وخرجت القرعة على أحد المسافرين وهو رسول الله يونس .
وتقدّم يونس ليواجه مصيره بشجاعة .
عرف سيدنا يونس أن ما حدث كان بمشيئة الله ، لهذا لم يخف وهو يهوي باتجاه الأعماق .
رأى المسافرون و ركاب السفينة حوت العنبر يتجه نحو الضحية و بعدها لم يروا شيئاً .
اختفى يونس واختفى حوت العنبر و نجت السفينة من الخطر و لكن ماذا حصل بعد ذلك في تلك الأعماق السحيقة ؟
في الأعماق :
ابتعلت الأمواج سيدنا يونس ( عليه السلام ) ، و فيما هو يحاول السباحة و النجاة اذا به يرى الحوت قادماً نحوه و قد فتح فمه الهائل المخيف .
و مرّت لحظات فاذا يونس في فم الحوت ثم في بطنه الكبير المظلم !
و في تلك اللحظة أدرك سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود الى نينوى ، لا أن يسافر إلى الجزيرة .
و في اعماق الحوت هتف يونس :
لا إله إلاّ أنت سبحنك إنّي كنت من الظالمين .
كان نداء يونس نداء الايمان بالله القادر على كل شيء . . .
شعر سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود إلى نينوى مرّة أخرى لا أن يسافر إلى تلك الجزيرة البعيدة .
ان الله سبحانه هو مالك البر والبحر و خالق الحيتان في غمرات البحار .
من أجل هذا راح سيدنا يونس يسبح لله الخالق البارئ المصوّر له الاسماء الحسنى .
و تمرّ الساعات ، و يونس في بطن الحوت ، و تمرّ الساعات و الحوت يطوف في اعماق المياه . . .
سيدنا يونس ما يزال يسبّح لله ، كان يهتف : لا إله إلاّ أنت : سبحانك إنّي كنت من الظالمين و هكذا تمرّ الأيام والليالي .
ساحل النجاة :
و يشاء الله سبحانه أن يتجه الحوت إلى شواطئ إحدى الجزر . . الحوت يقترب من الشاطئ تتقلص معدته وتتدفق من داخلها المياه وكان يونس فوق الأمواج ثم يستقرّ على شطآن الرمال الناعمة .
كان من رحمة الله ان الشاطئ خال من الصخور و إلاّ لتمزق بدن يونس .
يونس الآن في غاية الضعف ، جسمه مشبع بالمياه . كان سيدنا يونس منهك القوى ظامئاً . كان يموت من العطش . .
إنّه لا يستطيع الحركة يحتاج إلى استراحة مطلقة في الظل ولكن ماذا يفعل و هو وحيد على الرمال ؟!
الله سبحانه أنبت عليه شجرة يقطين ، استظلّ سيدنا يونس بأوراق اليقطين العريضة ، و راح يأكل على مهل ثمارها . . .
ان من خواص اليقطين احتواؤه على مواد تفيد في ترميم الجلد وتقوية البدن .
و من خواصّه أنه يمنع عنه الذباب الذي لا يقرب هذه الشجرة .
و هكذا شاء الله سبحانه أن ينجو يونس من بطن الحوت ، و أن يدرك سيدنا يونس أن الله هو القادر على كل شيء هو الرحمن الرحيم .
استعاد سيدنا يونس صحته و عاد إلى مدينته نينوى .
و فرح سيدنا يونس عندما رأى أهل نينوى يستقبلونه و هم فرحين برحمة الله . . لقد آمن الجميع ، فكشف الله عنهم العذاب . . الاطفال يلعبون ، والرجال يعملون و المواشي ترعى في المروج بسلام . . .
انها نعمة الايمان بالله الذي وهب الانسان الحياة .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[1] .
بسم الله الرحن الرحيم
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }[2] .
" قصة سيدنا يونس ( عليه السلام ) "
بسم الله الرحمن الرحيم
على ضفاف نهر دجلة عاش الآشوريون في مدن كبرى ، وكانت نينوى أكبر مدنهم فهي عاصمة البلاد .
وفي نينوى كان يعيش مئة الف انسان أو اكثر بقليل .
كانوا يعيشون حياتهم ، يزرعون حقولهم الواسعة ويرعون ماشيتهم الكثيرة في تلك الأرض الخصبة .
وفي تلك المدينة الكبيرة وُلد سيدنا يونس وعاش ، حتى اذا ادرك ، رأى قومه يعبدون الأوثان والاصنام ، ينحتون التماثيل المرمرية ويعبدونها .
الله سبحانه اصطفى عبده يونس ( عليه السلام ) نبياً ، كان يونس انساناً مؤمناً بالله الواحد القادر ، وكان يدرك أن هذه التماثيل والاصنام مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع .
الله سبحانه أرسل يونس إلى أهل نينوى يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه ونبذ الاصنام والأوثان .
الناس في تلك البلاد كانوا طيبين ولكنهم كانوا يشركون بالله منذ زمن بعيد وهم يعبدون التماثيل .
وجاء سيدنا يونس و وعظهم و نصحهم و قال لهم : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به أحداً .
و لكن أهل نينوى و قد اعتادوا على عبادة التماثيل رفضوا دعوة يونس ، و وقفوا في وجهه .
كل الانبياء كانوا يُعلِّمون الناس عبادة الله الواحد كل الرسل كانوا يبشّرون بالتوحيد .
الناس كانوا ضالّين ، يعبدون الحجارة . . يظنّون ان لها تأثيراً في حياتهم .
جاء سيدنا يونس وأرشدهم إلى عبادة الله الواحد الأحد .
ولكن ذلك لم ينفع معهم .
وحذّرهم النبي من عاقبة عنادهم . . ان الله سبحانه سيعذّبهم إذا ظلّوا على عنادهم وعبادة الاصنام .
و غضب سيدنا يونس من أهل نينوى فحذّرهم من نزول الغضب الالهي .
غادر سيدنا يونس نينوى ومضى .
ذهب باتجاه البحر الابيض . كان يترقّب نزول العذاب بأهل نينوى .
و مضت أيامٌ و أيام ، و لكن سيدنا يونس لم يسمع شيئاً .
سأل كثيراً من المسافرين عن أخبارهم نينوى وأهلها ، وكانوا كلّهم يقولون : ان المدينة بخير .
و تعجّب سيدنا يونس ! لقد صرف الله عن أهل نينوى العذاب .
من أجل هذا واصل طريقه باتجاه البحر الابيض .
التوبة :
لنترك سيدنا يونس وهو في طريقه إلى البحر لنعود إلى نينوى تلك المدينة الكبرى . .
ماذا جرى هناك لماذا صرف الله عن أهل نينوى العذاب ؟
عندما غادر سيدنا يونس غاصباً و مضت عدّة أيام شاهد أهل نينوى علامات مخيفة . .
السماء تمتلئ بغيوم سوداء كالحة ، وهناك مايشبه الدخان في أعالي السماء .
و رأى بعض الصلحاء تلك العلامات فأدرك ان العذاب الالهي على وشك أن ينزل فيدمرّ مدينة نينوى بأسرها .
ستتحول المدينة الى أنقاضٍ وخرائب ، من أجل ذلك أسرع و حذّر أهالي نينوى من نزول العذاب قال لهم :
ـ ارحموا انفسكم ! ارحموا ابناءكم وبناتكم . لماذا تعاندون ؟! إنّ يونس لا يكذّب أبداً ، و أنَّ العذاب سيحلّ بكم .
أهل نينوى رأوا علامات العذاب . .
لهذا راحوا يفكرون بمصيرهم بمصير ابنائهم ، بمصير مدينتهم .
أدركوا ان هذه التماثيل لا تنفعهم . . إنها مجرّد حجارة نحتها الآباء بأيديهم فلماذا يعبدونها من دون الله .
شعر أهل نينوى بالندم ، كانوا غافلين فانتبهوا ، وكانوا نائمين فاستيقظوا .
من أجل ذلك راحوا يبحثون عن سيدنا يونس . . جاءوا يعلنون إيمانهم بالله سبحانه .
و لكنّ سيدنا يونس كان قد غادر نينوى الى مكان بعيد . . الى مكان لا يعرفه أحد !
من أجل هذا اجتمعوا في أحد الميادين ، و قال لهم الرجل الصالح اعلنوا ايمانكم يا أهل نينوى ، و قال لهم : ان الله رحيم بالعباد فاظهروا الندم ، و خذوا الاطفال الرضع من أمهاتهم حتى يعمّ البكاء ، و ابعدوا الحيوانات عن المراعي حتى تجوع و تعلوا أصواتها .
هكذا فعل أهل نينوى فصَلوا بين الاطفال والامهات ، وبكى الاطفال ، وبكت الامهات ، الحيوانات كانت تضجّ من الجوع و تعطّلت الحياة في مدينة نينوى . .
الجميع يبكون ، الجميع آمنوا بالله الواحد القادر على كل شي .
وشيئاً فشيئاً كانت السماء الزرقاء الصافية تظهر ، و الغيوم السوداء تبتعد .
اشرقت الشمس من جديد ، و فرح الناس برحمة الله الواسعة و بنعمة الايمان و الحياة .
كان أهل نينوى ينتظرون عودة نبيهم ، و لكن دون جدوى لقد ذهب سيدنا يونس غاضباً و لم يعد ، ترى اين ذهب يونس ؟
في البحر :
وصل سيدنا يونس البحر الابيض ، و وقف في المرفأ ينتظر سفينة تبحر إلى إحدى الجزر .
و جاءت سفينة شراعية . . السفينة كانت مشحونة بالمسافرين .
توقّفت في المرفأ لينزل بعض المسافرين ، و يركب البعض الآخر . كان سيدنا يونس من الذين ركبوا السفينة .
انطلقت في عرض البحر بعد أن رفعت اشرعتها عالياً .
و عندما صارت في وسط البحر ، هبت العواصف ، و ارتفعت الأمواج .
و فيما كانت السفينة تمخر المياه المتلاطمة حدث شيء عجيب ، ظهر حوت كبير ! حوت العنبر الهائل . . كان الحوت يرتفع وسط الامواج ثم يهوي بذيله ليضرب المياه ضربة هائلة ، فيصدر صوتاً يشبه الانفجار ، اصاب الاسماك بالذعر فولّت هاربة .
توقف قليلاً فانبثقت نافورة المياه كشلال يتدفق نحو السماء .
اندفع الحوت باتجاه السفينة ، ثم انعطف فجأة وحرّك ذيله ليدفع موجة هائلة نحو السفينة ، و ارتجّت السفينة بعنف !
أدرك ملاحو السفينة ان الحوت يريد تحطيم السفينة و اغرافها كان حوتاً هائلاً و كانت السفينة صغيرة .
لم يكن أمام قبطان السفينة غير طريق واحد هو التضحية بأحد ركاب السفينة ليكون طعاماً للحوت .
لهذا اجتمع ركاب السفينة وأجروا القرعة فمن خرجت عليه القرعه فهو الضحية . وخرجت القرعة على أحد المسافرين وهو رسول الله يونس .
وتقدّم يونس ليواجه مصيره بشجاعة .
عرف سيدنا يونس أن ما حدث كان بمشيئة الله ، لهذا لم يخف وهو يهوي باتجاه الأعماق .
رأى المسافرون و ركاب السفينة حوت العنبر يتجه نحو الضحية و بعدها لم يروا شيئاً .
اختفى يونس واختفى حوت العنبر و نجت السفينة من الخطر و لكن ماذا حصل بعد ذلك في تلك الأعماق السحيقة ؟
في الأعماق :
ابتعلت الأمواج سيدنا يونس ( عليه السلام ) ، و فيما هو يحاول السباحة و النجاة اذا به يرى الحوت قادماً نحوه و قد فتح فمه الهائل المخيف .
و مرّت لحظات فاذا يونس في فم الحوت ثم في بطنه الكبير المظلم !
و في تلك اللحظة أدرك سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود الى نينوى ، لا أن يسافر إلى الجزيرة .
و في اعماق الحوت هتف يونس :
لا إله إلاّ أنت سبحنك إنّي كنت من الظالمين .
كان نداء يونس نداء الايمان بالله القادر على كل شيء . . .
شعر سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود إلى نينوى مرّة أخرى لا أن يسافر إلى تلك الجزيرة البعيدة .
ان الله سبحانه هو مالك البر والبحر و خالق الحيتان في غمرات البحار .
من أجل هذا راح سيدنا يونس يسبح لله الخالق البارئ المصوّر له الاسماء الحسنى .
و تمرّ الساعات ، و يونس في بطن الحوت ، و تمرّ الساعات و الحوت يطوف في اعماق المياه . . .
سيدنا يونس ما يزال يسبّح لله ، كان يهتف : لا إله إلاّ أنت : سبحانك إنّي كنت من الظالمين و هكذا تمرّ الأيام والليالي .
ساحل النجاة :
و يشاء الله سبحانه أن يتجه الحوت إلى شواطئ إحدى الجزر . . الحوت يقترب من الشاطئ تتقلص معدته وتتدفق من داخلها المياه وكان يونس فوق الأمواج ثم يستقرّ على شطآن الرمال الناعمة .
كان من رحمة الله ان الشاطئ خال من الصخور و إلاّ لتمزق بدن يونس .
يونس الآن في غاية الضعف ، جسمه مشبع بالمياه . كان سيدنا يونس منهك القوى ظامئاً . كان يموت من العطش . .
إنّه لا يستطيع الحركة يحتاج إلى استراحة مطلقة في الظل ولكن ماذا يفعل و هو وحيد على الرمال ؟!
الله سبحانه أنبت عليه شجرة يقطين ، استظلّ سيدنا يونس بأوراق اليقطين العريضة ، و راح يأكل على مهل ثمارها . . .
ان من خواص اليقطين احتواؤه على مواد تفيد في ترميم الجلد وتقوية البدن .
و من خواصّه أنه يمنع عنه الذباب الذي لا يقرب هذه الشجرة .
و هكذا شاء الله سبحانه أن ينجو يونس من بطن الحوت ، و أن يدرك سيدنا يونس أن الله هو القادر على كل شيء هو الرحمن الرحيم .
استعاد سيدنا يونس صحته و عاد إلى مدينته نينوى .
و فرح سيدنا يونس عندما رأى أهل نينوى يستقبلونه و هم فرحين برحمة الله . . لقد آمن الجميع ، فكشف الله عنهم العذاب . . الاطفال يلعبون ، والرجال يعملون و المواشي ترعى في المروج بسلام . . .
انها نعمة الايمان بالله الذي وهب الانسان الحياة .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[1] .
بسم الله الرحن الرحيم
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }[2] .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق